سورة السجدة - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


{الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3)}
{الم} على أنها اسم السورة مبتدأ خبره {تَنزِيلُ الكتاب} وإن جعلتها تعديداً للحروف ارتفع {تَنزِيلُ الكتاب} بأنه خبر مبتدأ محذوف: أو هو مبتدأ خبره {لاَ رَيْبَ فِيهِ} والوجه أن يرتفع بالابتداء، وخبره {مِن رَّبّ العالمين} و{لاَ رَيْبَ فِيهِ}: اعتراض لا محل له. والضمير في {فِيهِ} راجع إلى مضمون الجملة، كأنه قيل: لا ريب في ذلك، أي في كونه منزلاً من رب العالمين ويشهد لوجاهته قوله {أَمْ يَقُولُونَ افتراه} لأنّ قولهم: هذا مفترى، إنكار لأن يكون من رب العالمين، وكذلك قوله: {بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبّكَ} وما فيه من تقدير أنه من الله وهذا أسلوب صحيح محكم: أثبت أولاً أن تنزيله من رب العالمين، وأن ذلك ما لا ريب فيه، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه} لأن (أم) هي المنقطعة الكائنة بمعنى: بل والهمزة، إنكاراً لقولهم وتعجيباً منه لظهور أمره: في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات منه، ثم أضرب عن الإنكار إلى إثبات أنه الحق من ربك. ونظيره أن يعلل العالم في المسألة بعلة صحيحة جامعة، قد احترز فيها أنواع الاحتراز. كقول المتكلمين: النظر أوّل الأفعال الواجبة على الإطلاق التي لا يعرى عن وجوبها مكلف، ثم يعترض عليه فيها ببعض ما وقع احترازه منه، فيرده بتلخيص أنه احترز من ذلك، ثم يعود إلى تقرير كلامه وتمشيته.
فإن قلت: كيف نفى أن يرتاب في أنه من الله، وقد أثبت ما هو أطم من الريب، وهو قولهم: {افتراه}؟ قلت: معنى {لاَ رَيْبَ فِيهِ} أن لا مدخل للريب في أنه تنزيل الله: لأن نافي الريب ومميطه معه لا ينفك عنه وهو كونه معجزاً للبشر، ومثله أبعد شيء من الريب. وأما قولهم: {افتراه} فإما قول متعنت مع علمه أنه من الله لظهور الإعجاز له، أو جاهل يقوله قبل التأمل والنظر لأنه سمع الناس يقولونه: {مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ} كقوله: {مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ} [يس: 6] وذلك أن أن قريشاً لم يبعث الله إليهم رسولاً قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
فإن قلت: فإذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم حجة.
قلت: أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا، وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم؛ لأن أدلة العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان {لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} فيه وجهان: أن يكون على الترجي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان {لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ} [طه: 44] على الترجي من موسى وهرون عليهما السلام، وأن يستعار لفظ الترجي للإرادة.


{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4)}
فإن قلت: ما معنى قوله: {مَا لَكُمْ مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ} قلت: هو على معنيين، أحدهما: أنكم إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم ولياً، أي: ناصراً ينصركم ولا شفيعاً يشفع لكم.
والثاني: أن الله وليكم الذي يتولى مصالحكم، وشفيعكم أي ناصركم على سبيل المجاز، لأن الشفيع ينصر المشفوع له. فهو كقوله تعالى: {وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} [البقرة: 107] فإذا خذلكم لم يبق لكم وليّ ولا نصير.


{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)}
{الأمر} المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ينزله مدبراً {مِنَ السماء إِلَى الأرض} ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خالصاً كما يريده ويرتضيه إلا في مدة متطاولة؛ لقلة عمال الله والخلص من عباده وقلة الأعمال الصاعدة، لأنه لا يوصف بالصعود إلا الخالص ودل عليه قوله على أثره {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} أو يدبر أمر الدنيا كلها من السماء إلى الأرض: لكل يوم من أيام الله وهو ألف سنة، كما قال: {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47]، {ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} أي يصير إليه، ويثبت عنده، ويكتب في صحف ملائكته كل وقت من أوقات هذه المدّة: ما يرتفع من ذلك الأمر ويدخل تحت الوجود إلى أن تبلغ المدة آخرها، ثم يدبر أيضاً ليوم آخر، وهلم جرا إلى أن تقوم الساعة. وقيل: ينزل الوحي مع جبريل عليه السلام من السماء إلى الأرض. ثم يرجع إليه ما كان من قبول الوحي أو ردّه مع جبريل، وذلك في وقت هو في الحقيقة ألف سنة؛ لأن المسافة مسيرة ألف سنة في الهبوط والصعود؛ لأن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة، وهو يوم من أيامكم لسرعة جبريل؛ لأنه يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد، وقيل: يدبر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة، ثم يعرج إليه ذلك الأمر كله؛ أي يصير إليه ليحكم فيه {فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ} وهو يوم القيامة.
وقرأ ابن أبي عبلة: {يعرج} على البناء للمفعول. وقرئ: {يعدون} بالتاء والياء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5